الخميس، 31 يوليو 2008

فوضى


كيف يستطيع الإنسان أن يسير وبذور نهايته في داخله؟ وكأنه يزحف نحو موته لكنه طوعا يحمل مرآة تجره إلى الوراء، كيف تختلط الأمور الآن في رأسي فيتداخل الحلم بالواقع ... تنتظم الأصوات والأماكن والناس من جهات عدة في الذاكرة لتصرخ معا بفوضى عارمة، أذكر نهاية الباستيل ملتحمة بصورة جندي أحرقته المقاومة في العراق، وقصيدة شعر تظلل طفلا ينزل علم المحتل عن أرضه بينما طلقات الرصاص تحاول اصطياده ...وجثة خائن معلقة في العراء تتأرجح في ذاكرة امرأة قتلت بداعي الشرف ...وكأن الحياة خليط من أشياء شتى لا تتوقف عند حد ... صوت يقول – هذا مشهد إباحي لا يقرأ على الملأ وصرخة امرأة عجوز تنظر في عيون الفراغ لتستنهضه فلا يرتد من المشهد إلا صورتها في عيون أحفادها الصغار...وأصابعي التي أصابها التعب لكثرة الطرق على الأبواب المغلقة في الذاكرة وفي الحياة تحاكمني لأكف عن تعذيبها في دروب الحزن المكررة، الماء الذي لا يتوقف عن مهاجمة روحي أو في التجلي في صدى المكان ... الصمت الذي يجلب الأحبة والغياب الذي يبدأ به الحضور..هل كان عليّ أن أمشي الدرب إلى آخرة لأعرف؟؟ وهل سأعرف ؟؟ لازالت الصور تأتي بشراسة لتطرق منافذ الروح لتطل على داخلي المتعب، لتحمل الوجوه التي ابتعدت ... الأصوات التي أحببتها فوهبتني خناجر تفجر الألم في روحي كلما حاولت النسيان والنهوض، كم هو قريب وبعيد في ذات الوقت ذلك اليوم الذي قاسمته الهواء والدمع وقلت له لتذهب هذه الروح للجحيم لكن الدرب اضمحل فجأة وأصبحنا غرباء في أرض قاحلة يلعق كل منا حزنه ويمضي في درب أبكم، فتزاحمنا الذكريات تلك الصور الراسخة كالجرح القديم في الذاكرة، كيف ينسى الإنسان صورته ليفاجأ بنفسه في المرآة وينكرها فتضيع منه نفسه حتى ينتشلها أحد ما وهي طافية على وجه الماء الآسن ... لكن قبلة الحياة لا ترد الروح لإنسان نسي نفسه، تعاريج الثوب المطرز لا تزال في ذاكرتي واراها في ملامحي لكنها تختبئ كالأمنيات الكثيرة التي أخذها الذبول..هل كنت أتمنى المستحيل ؟؟؟ لا .. قالت لي عرافة مسنة ستضيّعك قدماك ... خفت النبوءة فأخذت أمشي دون توقف خوفا من الوصول... فانهالت الشمس على ظهري بسياط لاهبة لأكف لكن الخوف كان أكبر من التعب... فمضيت بصوت شجت بحاره الريح أغني، وأنظر حولي... هذه الدروب التي نمشيها مشيناها من قبل ؟؟ يا الفزع ... كيف عدت ؟؟ هو ذات الدرب استدار... أحمل الجريدة لأطالع الكاريكاتير الساخر يحتج على كاتم الصوت فتسقط منه رصاصة وقطرات دم... وتلهج الأصوات بالدعاء وهذا بلال يصرخ من تحت الصخرة (أحد أحد) وتزداد الوجوه حدة...الدرب يستدير وأنا فزعة أحاول العبور إلى ضفتي الأخرى فتحاصرني المعابر والحدود... يخرج الماضي والحاضر وبلال وناجي والشعراء والقتلة يخرجون من ذاكرتي ومن روحي تخرج الأصوات جميعها تنهال عليّ كما انهالت على الجاحظ كتبه ... فأصرخ فزعة لكني أتنبه لصوتي يحاصرني فأتركه وامضي لا ألوي على شيء.

ليست هناك تعليقات: