الجمعة، 29 مايو 2020

عتمة




****
على اطراف اصابعها، تدور الحياة في الطرقات، تعبث في الحدائق الخلفية للبيوت، تعيد تشكيل الغيوم المثقلة بلون ابيض، السماء لا تعيرها اهتماما، فلا ثبات للون في نوايا الغيوم، لا شأن للصوت بما تهمس به احلام لا تعي ما يخبئه الدرب، الحياة تضجر من المشي وحيدة، من القفز على اسوار البيوت ومن ضغط انفها الصغير على النوافذ، فتفكر بالبحث عنه ذلك الموت الذي اعتاد على معطفه المظلم، واصابعه الخفية، ذلك الذي يتجول مثلها في البيوت وعلى وسائد الخائفين والمتعبين واولئك الذين يحاولون عبثا ان يعرفوا ... كيف هي الحياة بلا ألم...

عبثا تمد اليه يدها
ذلك البعيد ..
المثقل بالدهشة والفضول
المغلف بالالم الطازج
والضحكة المستحيلة
عبثا تمد اليه يدها
تحاول أن تلتقي به
على اطراف قبلة
ليس لها زمان
او شكل نغتالها به...
عبثا... تمسك يده
فيأخذها الى الهاوية
تلك التي تبدأ من الاعلى ...
في دورانها اللانهائي
نحو الوصول....

الموت يخفي أصابعه، عيونه، ويبقي على قلبه البارد مشرعا كالراية، الموت لا يملك صوتا او لغة، لكنه يملك الدمعة، تلك التي امتلكت الحياة في شفافيتها المالحة... الحياة التي كلما رفعت رأسها اخفتها الغيرة التي لا تقوى على الموت طويلا....

هل اسمعك ؟؟
لا صوت يرتدي كلماتك
لا وجه يغلف ملامحك
ولا أصابع تعرف اشارتك
الخفية نحو قلبي....
هل  اراك ؟؟

كأن الحياة تعبث مع الموت في رقصة كونية، تقلم اظافره الحادة ممسكة بعنقه فيقبل شفتيها باحثا عن خنجره القاتل، تمد انفاسها إلى عينيه المطفأتين فيرمي بها بعيدا قبل ان تلتقطها يده بقسوة بحثا عن قلبها... تبدو كطفلة لا تدرك قسوة الالم او ما تخبئه لها النوايا... ويبدو كمصاص دماء...

ينفجر الماء...
بين اصابعنا
في قلوبنا
وعلى الشفاه...
الماء ... لا يعي سره
فيخفق فرحا للغرق
المثقل بالزائرين...
الاحبة....

يضمها اليه، تشتد الرقصة وحشيه، يقتربان يبتعدان، يتعانقهان يتنافران، يرمي بها ويعيدها، تهرب منه اليه، تشتد الوحشة في الطرقات، يشتد الالم ....تشتد الضحكة

لكن  في نهاية الاشياء،   
يلتقي الموت بالحياة ،
الحياة بالموت ....
يتعانقان ككل المحبين....



الاثنين، 9 مايو 2016

الحـــافـــة 

الحافة التي وقفت عندها هذا المساء لم تكن تحمل نهايات أو قمما عالية أو حتى هاوية سحيقة، كانت حافة من نسيم عليل، تشبه الوقوف في حقل غردت كل طيوره وانتشت اشجاره فجأة، أغمضت عيني ورفعت ذراعي في الهواء، حلقت الارض بي، أما تحملني بين ذراعيها، السماء فكرة طائشة، الاشجار احلام عزيزة في مخيلتي التي بدأت تستعيد طفولتها، يا الله ... 

كلمتني كل مفردات الطبيعة تبادلنا الغناء والضحك، غابت الجاذبية، وحضر قلبي مزهوا باسراب الطيور،  جداول الماء،  ودقات تشبه الفرح، نهر من اقصى القلب ينمو كلما تقدم نحو زوايا الجسد البعيدة،  وقلب يكبر كشجرة نمت دفعة واحدة لتحمل في ذاكرتها آلاف الفصول،  لم اعد ارى قلبي، كان غابة تتكاثر بجنون، الحلم نبته برية، الكلمات نبض يتهجاني ابجدية للارض أو لغة سرية للسماء، لم اعد ارى نفسي، كنت اتبعثر الى ذرات من لغات مختلفة، لكل لغة ابجدية ولكل ابجدية آفاق من المعاني. 

لم تعد الحافة موجودة، كنت انا حدود كل شيء ونقيضه، لم تكن ملامحي تحمل ظلا ولا شكلا ثابتا، كان اسمي وحده يسير في الطرقات التي غابت في الذاكرة ، اسمي الشقي العنيد، يتسول ثباتا واحدة يستطيع أن يقف عنده ويناديني بأعلى صوته، يبحث في ثنايا حروفه عن شجرة، طائر، جسر، حلم بالعودة، أو أم تدعو الله أن يحمي ابنتها من غياب الاسم وضياع وجوده المادي ...يبحث اسمي عن أي درب تعيده إليّ أو تعيدني إليه، لكنه لا يصل...

الحافة لا تزال تحتل مكانا في الوجود ليس له اسم او شكل كثقب اسود، نجمة مطفأة، أو انعكاس في عيني مرآتي، الحافة سرقتني هذا المساء وتركتني في مكان لا يصل اليه الحزن، ولا يقتفيه ألم ولا تتهجاه خيبة، الحافة تقرأني الان كبلورة ساحر، أو فكرة اخيرة في مخيلة طائر لتعيدني طفلة تحلم، بحافة لا تحمل نهايات او قمما عالية او هاوية سحيقة لكنها تخبئ لي دفئا لا تسرقة الفصول القاسية.... 

الجمعة، 7 يناير 2011

الطرقة


الطرقة على الباب تشبه يدا لا تستجيب لصاحبها، لا تفصح عن إرادته ولا تقدم له كأس ماء، الماء المتلاْليء في الكأس لا يخبرنا عن أسرار الحياة وعن سر النهر في ممرات الحلم الجميل، الاحلام العابثة قد تحفظ اسرارانا لتقولها عنا لكن دون أن تتعرى ...

هكذا تستدير الأصوات، طرقات على أبواب عدة، لا نصغي جيداً أحيانا وأحيانا نترك أنفسنا للكسل فلا نرفع رؤسنا أو قاماتنا نحو الدهشة أو الفضول، فتبقى الطرقة عذراء لا تفصح عما تريد....

القطرة تبتل بقطرة أخرى، لكننا لا نرى رطوبة جسدها وشفافية البقعة ولا خصوبة الحياة التي عبرتها، تشتاق الأرض أحيانا لأجسادنا، فتلقي الينا أمنيتها وتكتفي بالعناق، العناق الذي يرتد إلى وجودة السابق في أوتار الوجود، لا تقطع الشمس على أجساد باردة أو ميته إلا لتوقظها، تتحسس الممرات التي توصل إلى الأقبية والزنازين، المرأة صورة للنبض الحاذق لكنها لا ترى سوى ما تفصح عنه العيون الجارحة، عندما تمر البلاد على زجاج النوافذ التي لا تطرقها أيد ... تتلاشى، الوطن أيضا يشبه طرقة .... يشبه انبعاث حزن معتق، الصحراء تعرف ان تتعرى لا لتقيم الشهوات النائمة والحريات المعطوبة لكن لتكتشف سر الماء المخاتل، حين تمتد الدروب تفصح الحياة عن وجودها الحقيقي، لكنها لا تعطينا خارطة الوصول إليها... المساء البهي يشبه الوقوف على شاطئ في يوم شتائي غامض لكنه حنون

آخذ نفسي من يدها واجلسها على حافة انصهار الافق بالماء॥تماما كنقطة متلاشية تتشظى ذوات كثيرة، الطرقة الماكرة تلبس الوجوه اقنعتها البراقة... لا وعيها الحاذق، حين ننفصل عن احبتنا ونلتصق بهم لا نعود نرى....

الماء في إنكساره يشبه بوحي على سطور تتلاشى خيوطها، الذاكرة طرقة في مكان مجهول، عناق لم يتم وتوق لقبلة عمياء، زمن مختلف ذاك الذي يبدد المسافة ويعيد الروح إلى ألوهتها، ويعيد الاجساد إلى طبيعتها الأولى ... لا أعلم غور المسافة لكني أرى الحريق، حين تصعد اليد المتلاشية لا تفصح عن ذاتها، وحدها الكلمة تستطيع أن تسميها، وأنا الاسماء جميعها حين لا تقال....

البسمة المستحيلة تلك التي لا ترتد كالصدى الهارب من شفه لم تعترف بالحب... العيون الدافئة قطعت المسافة عدوا إلى الوراء، لانها رأت.... رأت الطرقة في ولادتها... ولادتها الأولى من يد تتكون ...لكن لا تستجيب.

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

لا بأس "قالت أمي"

لا بأس (قالت أمي) من أن أقدم قلبي قربانا لصوت هامس يأتي من كهف بعيد...يحمل في جنباته نبوءة ويعدو نحو الفراغ.... فنحن لا نملك وصاية على ما سيأتي.... لا بأس من أن تصعد أنغام رأعي إلى السماء فتحمل قلبي بين طياتها وتعدو به كشهاب عابر ينبثق من الحنين ويفنى في خاصرة المساء... كلمّا تُقت للصهيل أخذتني الريح وفرت بي نحو السهوب.... هناك في رؤوس الجبال تركت نجمة تضيء قلبي كلما أفلت نبضاته وتوقد في زواياه النيران إذا ما أصابه الصقيع !!!

لا بأس (قالت أمي) من أن نعلق القلب شهيدا في محراب الجنون ونمضي نحو الهدوء الرقراق كتيار دافئ بلا صوت وبلا ضفاف ... يسير بهدوء على جنبات الحلم ويضمحل رويدا رويدا.....

لا بأس أن تحنو عليّ شجرة نسيها الجنود في زاوية التاريخ المحاصر بالخسارات والدماء.... فأنام في حضنها الدافئ وأندفع نحو جذورها حين تسيل أوردتي حاملة توقي واحتراق روحي.... لا بأس من أن تقوم شواهد القبور في السهول وعلى اطراف القرى لتنثر في الفضاء أصوات كل من عبروا على هذه الأرض فأنا أجيد الرقص بين زمانين ...هكذا ستكتب اسمي حبات رمل منذورة لقلبي الشقي .....

لا بأس لو عبرت ذات مساء قُبرة تعرف اسمي على زوايا ابتسامة نادرة لتقول أنني زرعت في الحلم مائة وردة وشجرة واحدة لان الغصن الذي علقت عليه يقظتي انكسر فجأة !!

لا بأس لو حلمت أنني ألتقيك على مسافة من الوطن كافية للصراخ وللطرق على أبواب الجحيم لا تتركونا هنا ...

فيعبر في دمنا آلاف الثوار والعشاق .... وحفاري القبور....

لا بأس لو عبأت رئتي من مطر ينهمر بلا انقطاع فيتشبع جسدي الجاف حد الطوفان... ويرمي بكل ما حمله من أمم إلى خندق الظلم العتيق....

لا بأس لو قلت أنني كففت عن حبك ... وأنني سأسير في الدروب وحدي كما كنت دائما نبية لا يؤمن بها أحد ولا يراها سوى ظلها

لا بأس - ستقول أمي ذات يوم حين أضع رأسي على صدرها-... لا بأس من أن تنامي قليلا فالقلب المتعب لا تكفيه آلاف السنين الضوئية ليتوقف عن الحنين الموجع حد الفجيعة .... لا بأس يا حبيبتي من أن تتركي اسمك قليلا وتقفزي كغزالة شاردة نحو كهف بعيد ...بعيد

الخميس، 31 يوليو 2008

فوضى


كيف يستطيع الإنسان أن يسير وبذور نهايته في داخله؟ وكأنه يزحف نحو موته لكنه طوعا يحمل مرآة تجره إلى الوراء، كيف تختلط الأمور الآن في رأسي فيتداخل الحلم بالواقع ... تنتظم الأصوات والأماكن والناس من جهات عدة في الذاكرة لتصرخ معا بفوضى عارمة، أذكر نهاية الباستيل ملتحمة بصورة جندي أحرقته المقاومة في العراق، وقصيدة شعر تظلل طفلا ينزل علم المحتل عن أرضه بينما طلقات الرصاص تحاول اصطياده ...وجثة خائن معلقة في العراء تتأرجح في ذاكرة امرأة قتلت بداعي الشرف ...وكأن الحياة خليط من أشياء شتى لا تتوقف عند حد ... صوت يقول – هذا مشهد إباحي لا يقرأ على الملأ وصرخة امرأة عجوز تنظر في عيون الفراغ لتستنهضه فلا يرتد من المشهد إلا صورتها في عيون أحفادها الصغار...وأصابعي التي أصابها التعب لكثرة الطرق على الأبواب المغلقة في الذاكرة وفي الحياة تحاكمني لأكف عن تعذيبها في دروب الحزن المكررة، الماء الذي لا يتوقف عن مهاجمة روحي أو في التجلي في صدى المكان ... الصمت الذي يجلب الأحبة والغياب الذي يبدأ به الحضور..هل كان عليّ أن أمشي الدرب إلى آخرة لأعرف؟؟ وهل سأعرف ؟؟ لازالت الصور تأتي بشراسة لتطرق منافذ الروح لتطل على داخلي المتعب، لتحمل الوجوه التي ابتعدت ... الأصوات التي أحببتها فوهبتني خناجر تفجر الألم في روحي كلما حاولت النسيان والنهوض، كم هو قريب وبعيد في ذات الوقت ذلك اليوم الذي قاسمته الهواء والدمع وقلت له لتذهب هذه الروح للجحيم لكن الدرب اضمحل فجأة وأصبحنا غرباء في أرض قاحلة يلعق كل منا حزنه ويمضي في درب أبكم، فتزاحمنا الذكريات تلك الصور الراسخة كالجرح القديم في الذاكرة، كيف ينسى الإنسان صورته ليفاجأ بنفسه في المرآة وينكرها فتضيع منه نفسه حتى ينتشلها أحد ما وهي طافية على وجه الماء الآسن ... لكن قبلة الحياة لا ترد الروح لإنسان نسي نفسه، تعاريج الثوب المطرز لا تزال في ذاكرتي واراها في ملامحي لكنها تختبئ كالأمنيات الكثيرة التي أخذها الذبول..هل كنت أتمنى المستحيل ؟؟؟ لا .. قالت لي عرافة مسنة ستضيّعك قدماك ... خفت النبوءة فأخذت أمشي دون توقف خوفا من الوصول... فانهالت الشمس على ظهري بسياط لاهبة لأكف لكن الخوف كان أكبر من التعب... فمضيت بصوت شجت بحاره الريح أغني، وأنظر حولي... هذه الدروب التي نمشيها مشيناها من قبل ؟؟ يا الفزع ... كيف عدت ؟؟ هو ذات الدرب استدار... أحمل الجريدة لأطالع الكاريكاتير الساخر يحتج على كاتم الصوت فتسقط منه رصاصة وقطرات دم... وتلهج الأصوات بالدعاء وهذا بلال يصرخ من تحت الصخرة (أحد أحد) وتزداد الوجوه حدة...الدرب يستدير وأنا فزعة أحاول العبور إلى ضفتي الأخرى فتحاصرني المعابر والحدود... يخرج الماضي والحاضر وبلال وناجي والشعراء والقتلة يخرجون من ذاكرتي ومن روحي تخرج الأصوات جميعها تنهال عليّ كما انهالت على الجاحظ كتبه ... فأصرخ فزعة لكني أتنبه لصوتي يحاصرني فأتركه وامضي لا ألوي على شيء.

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

ما بين القلب والسنبلة


ناداني الوطن يوما قائلا : لا تخطّي على القبور ذكرياتك الذابلة..قلبي مشرع لك شاهدة للحقيقة... وحروفك مسمارية فتقدمي إليّ لنبحث عن ظل لنا...فتقدمت.


(هذه بعض الذكريات التي وجدتها في دفتر قديم ... إهداء للتواريخ..
إهداء لـ (12/9/1999) يوم دخولي فلسطين...)


(لحظة ولادة)
ها أنا استعيد ذاكرتي .. قبل بدء الماء في عروقي... كنت حجراً رمته يد امرأة ضجرة بخط منحنٍ كظل شجرة اتخذت من جذورها مرآة وصعدت نحو خالقها بلا قربان...أستعيد ذاكرة الغرق وكأنني البدء في صلب منذور للخلود في عتمة البحر أو في أوردة الشمس... لتبحث عروقي عن لغتها الأولى...لتمد أحلامها بلا هدى ... تحفر فيّ صرخات مكتومة تدحرج نبضي الصامت... تدفعه .. تقطع حبله السري... تلطم وجهه لتعيد إليه الحياة...
أستعيد ذاكرتي... وأدفع من داخلي شكل أصابعي وأطرافي... أقطع سرتي من جذر الأرض وأنمو كشجرة... أمر على أطيافي كلها... أكسوها بحيوات كثيرة... وأصعد كشعاع نحو بدئي... أستعيدني كما تستعيد أصابعي لغتها المارقة من ظلال القلب لفضاء البياض ... هناك أراني...
***

(خطوة في العدم )
تعبئني المسافات... تفرد ظلها في عروقي .. تسكنني كهاجس يمتد ويمتد تلاحقة الظلال وألفة الأشياء العابرة في فضاء الرؤية ..ولا أجد لروحي معنىً آخر يحيط بي ... يؤازرني في اتكاء الشمس على قامة ظهيرة نزقة أو في صباح يحمل رائحة لا تتآلف مع الصمت...
كأنني جذر نبت في الهواء... وحدها النجوم الغافلة تؤنس مسائي بلا لغة أو أحلام...تدعوني الأصداء البعيدة بلغة لا تفقهني... أتقدم وحدي فتزول الطرقات وتتركني بلا مسافة تسند جذعي وبلا غبار يشي بالوصول...



(*)
أتبادل والضوء سيرة الحلم
ضلع المسافة
ما بين نبضك وقلبي..
فأكبر كالظل
أصابعي المبتورة
تعكسك كلمات صارخة
في جوف جدار خاو
(*)


(نداء)
أيتها المرأة التي تلبس جلدي وتزرعني في الطرقات القاحلة ...خذي يدي وعمديني على جدار الحلم ... اسرقي نبضي من حقول الآخرين... احصدي خطواتي وألحقيني بغيمة مالت نحو المغيب..انثريني كالهشيم في فضاء يكبر كلما أوغلنا بالغياب ويلاحقنا بعواء لا ينضب..


(**)
يا سماء أقلعي
ليغيض النبض
ويبدأ الطوفان...
(**)

(تصريح...)
نبت الرنين فجأة في ضلع السكون فأجفلني...
الصوت الآخر على الهاتف كان ضاحكا... يعرف أن المفاجأة ستجعلني أصرخ ... أضحك لكنه لم يكن يتوقع أبدا أنني سأغلق الهاتف بقوة وأنا أرتجف ،
الرنين من جديد أجفلني ثانية ، قلت : هل تحدثت قبل قليل ؟!
- نعم وإياكِ أن تغلقي الهاتف...
- إذاً ما سمعته صحيح ؟.
- نعم أيتها المجنونة ..
تلاشت ضحكته وتركتني كلوحة زيتية معلقة على الجدار منذ مئة عام ...
غادرت عملي وحين جلست في السيارة فاجأني وجهي المبتسم فهمست لنفسي حصلت على التصريح ، حصلت على التصريح !!
أدرت المحرك وحين التحمت بالطريق بكيت .

(في الطائرة)
تضع غيمة وجهها الحالم على نافذتي... تهمس لي وتبتسم... أمد أصابعي . يحول الزجاج ما بيننا . نبكي فيربط النحيب ما بين روحينا . أغادر مقعدي سرا . تأخذني غيمة من يدي . نرقص
فترفع لنا الجبال هاماتها وتصفق لرفيف الروح في زرقة الفرح...






صهيلٌ يحملُ الحرفَ
على كاهل الحنين..
هناك يحبو الصوتُ
يتعلقُ في الأحراشِ
في ظل الزيتونِ
في الدرب المستدير...
الحلمُ رحم يلف القصائد
المبتورة...
فيثمر الوجعُ
تصعد البرتقالة لحتفها
أصابعي تقيس المسافة
ما بين القلب والسنبلة
(بيسان) تكبر في أضلعي
نتهجى الدربَ ...
نبعثُ خطوة خطوة...
التلال تضمدُ روحي
ترتق عُرا الذاكرة
تفرك الملح في عيون
التعب...
القمر يمد إليّ نهدين
من حلمٍ
فأستعيد من الموت أصابعي
وأمتد حتى آخر
نفخة في الصُّور
(**)

السبت، 21 يونيو 2008

لعنة !


(( أتحايل على الموت، ابذر خطواتي في المسافات البعيدة، وحين اموت أسحبها إليّ كأوتار ضوء تؤنسني في القبر فلا أبقى وحيدة…))

لم يكن الدخول إلى القبر سهلا… على ظهري المنحني أطنان من الأحجار والتاريخ والأوهام ..الهواء يشح ويخرج من مسام الروح بكثير من الضيق…حمدت الله انني تركتك خارجا في انتظاري..! وتقدمت في الممر الذي يشبه القبو، بالكاد تتبين العارضة الخشبية والمعدن الذي يشكل الدرجات…المكان معتم، وضيق لا تفكر بمن هو خلفك .. لكنك تود أن يختفي الذي امامك ويستجيب لك فيختفي بسرعة لتحتل خطاك مكان اقدامه، يمر من جانبك شخص هارب إلى النور لا ترى من ملامحه شيئا لكنك تسمع كلمة (يالله) بكل اللغات… (الله) وكأنهم يستمدون منها الهواء،


كان يطمئنني أنني تركتك خارجا حتى قلبي امسكته بيدي وعلقته على صارية صغيرة انشأتها في هذا الحر وبين جموع السياح والبائعين وضجيج كل شيء…حتى الرمل… تركته لأنني لم استطع أخراجك منه حتى لثوان قليله، هل تعرف أنك نبضي ؟؟ قلبي الذي لم يفطن له أحد ولم يقترب منه أحد..كان قربك وأنت تتأمل اختفائي عبر الممر الضيق.. هل فكرت بي ؟؟ فرت كلمة تشبه اسمك على اللسنة الخارجين بلغة لم افهمها …قلت سيلاقونك قبلي.. ونظرت إلى اتجاه سيرهم المعاكس وابتسمت… كانت الابتسامة تقطر عرقا لكنها حقيقية كما أراك الآن واشعر بك قربي…الدرجات كثيرة حتى خلتها لاتنتهي تقود إلى انحدار نحو قاع ما… شعرت به دهرا حتى اعتدل المكان واستطعت أن امد قامتي … قلت ساعانقك واغمضت عيني قليلا، لكن لم يحدث شيء !


جزعت دون أن أدري أن قلبي في الخارج صرخ كالمجنون وهوى بين ذراعيك، التفت حولي كان جسدي فارغا دون نبضه ودونك… تقدمت ثانية إلى ممر آخر لكن صعودا هذه المرة… عادت الخطوات والانفاس اللاهثة والعرق المتسلل في الزوايا الضيقة للجسد ورطوبة المكان وعتمته تعيد إليّ احساسي (بالموت) الإحساس الذي يتبعني منذ فترة وحدثتك عنه، وصلنا إلى غرفة ما… مكان فسيح هذه المرة عبارة عن مسطبتين وجدران ولا شيء … لا شيء… كانت الجثة هنا… كان ينام ملكا ينتظر عودة روحه هنا، كنت مثله لثوان لكني كنت انتظر قلبي…. لا لم اكن انتظره… كنت بلا قلبي ولم أكن أنتظر مجيئة إلى هنا خوفا عليك.. أنا والفرعون نتشابه في أفتقادنا لشيء ما.. القلب والروح… لكنك روح القلب…كنت أحسن حالا من الفرعون الذي غادر مكان انتظاره عنوة….


مررت بعيني على الجدران، مسحت المكان بسرعة وعدت ثانية، قال الصديق العراقي : أنتما أحسن حالا مني وكان يقصدني وزوجته لأنه كان طويلا للغاية وعليه ان يطوي نفسه في دخوله وخروجه من القبر…. قلت لهم : هذا الفروعون مجنون لو كانت روحه ستعود ووجدته في هذا المكان لما دخلت إليه …


عدنا بسرعة، الطريق هابطا ثانية، لاحظت حفرة في السقف نستطيع ان نمد فيها قامتنا قليلا وكان بها هواء لم افكر من اين يأتي ولا حتى النظر في داخل الحفرة ، وقفت قليلا … تنفست ثم اسرعت في التقدم للخروج، كانت امراة امامي توقفت لتقول شيئا لقادم في الاتجاه المعاكس، وضعت يدي على الجدار ضغطت قليلا، ولم اكن اعرف ايضا أن قلبي تحسس صدرك وانحنى عليه قليلا…كم اشتقت إليك!


شعرت بأصابعي تنغمس بالدفء والهواء البارد… نظرت إليها … كانت اصابعي تبتسم لشعور لا تدري كنهة، وضعتها على جبهتي وصدري لثوان ومضيت وانا اشعر بان جسدي كله يتعرق انفاسه الاخيرة وقفنا ثانية في المكان المستقيم … مددت يدي لمست الجدار ثانية وحاولت الاتكاء عليه قليلا، كنت كأنني اخترقت الهرم إلى ذراعيك… فطبعت قبلة على شفتيك وسحبت نفسي من الجدار واسرعت بالتقدم نحو الدرجات الصاعدة ثانية، هذه المرة كنت المح الفضاء يتسع قليلا قليلا… تقدمت بسرعة وكأنني اهرب من موتي… لا لم اكن اهرب بل كنت افكر بك … قال لي الرجل الواقف على الباب :هي دي الكاميرا بتاعتك !


ولم اسمع ما اجبته به، ولم ار يدي تتناول الكاميرا … فقط ما كنت اعيه هو نظراتي الباحثة عنك… كنت هناك تبتسم ، عانقتك وكأنني لم ارك منذ دهر…تسلل قلبي إلى صدري وهمست بي شفتيك… (أحبك) فتسللت إلى صدرك مع قلبي فلم ير السياح ولا الناس جميعا سواك تنظر حولك وتبتسم …