السبت، 21 يونيو 2008

لعنة !


(( أتحايل على الموت، ابذر خطواتي في المسافات البعيدة، وحين اموت أسحبها إليّ كأوتار ضوء تؤنسني في القبر فلا أبقى وحيدة…))

لم يكن الدخول إلى القبر سهلا… على ظهري المنحني أطنان من الأحجار والتاريخ والأوهام ..الهواء يشح ويخرج من مسام الروح بكثير من الضيق…حمدت الله انني تركتك خارجا في انتظاري..! وتقدمت في الممر الذي يشبه القبو، بالكاد تتبين العارضة الخشبية والمعدن الذي يشكل الدرجات…المكان معتم، وضيق لا تفكر بمن هو خلفك .. لكنك تود أن يختفي الذي امامك ويستجيب لك فيختفي بسرعة لتحتل خطاك مكان اقدامه، يمر من جانبك شخص هارب إلى النور لا ترى من ملامحه شيئا لكنك تسمع كلمة (يالله) بكل اللغات… (الله) وكأنهم يستمدون منها الهواء،


كان يطمئنني أنني تركتك خارجا حتى قلبي امسكته بيدي وعلقته على صارية صغيرة انشأتها في هذا الحر وبين جموع السياح والبائعين وضجيج كل شيء…حتى الرمل… تركته لأنني لم استطع أخراجك منه حتى لثوان قليله، هل تعرف أنك نبضي ؟؟ قلبي الذي لم يفطن له أحد ولم يقترب منه أحد..كان قربك وأنت تتأمل اختفائي عبر الممر الضيق.. هل فكرت بي ؟؟ فرت كلمة تشبه اسمك على اللسنة الخارجين بلغة لم افهمها …قلت سيلاقونك قبلي.. ونظرت إلى اتجاه سيرهم المعاكس وابتسمت… كانت الابتسامة تقطر عرقا لكنها حقيقية كما أراك الآن واشعر بك قربي…الدرجات كثيرة حتى خلتها لاتنتهي تقود إلى انحدار نحو قاع ما… شعرت به دهرا حتى اعتدل المكان واستطعت أن امد قامتي … قلت ساعانقك واغمضت عيني قليلا، لكن لم يحدث شيء !


جزعت دون أن أدري أن قلبي في الخارج صرخ كالمجنون وهوى بين ذراعيك، التفت حولي كان جسدي فارغا دون نبضه ودونك… تقدمت ثانية إلى ممر آخر لكن صعودا هذه المرة… عادت الخطوات والانفاس اللاهثة والعرق المتسلل في الزوايا الضيقة للجسد ورطوبة المكان وعتمته تعيد إليّ احساسي (بالموت) الإحساس الذي يتبعني منذ فترة وحدثتك عنه، وصلنا إلى غرفة ما… مكان فسيح هذه المرة عبارة عن مسطبتين وجدران ولا شيء … لا شيء… كانت الجثة هنا… كان ينام ملكا ينتظر عودة روحه هنا، كنت مثله لثوان لكني كنت انتظر قلبي…. لا لم اكن انتظره… كنت بلا قلبي ولم أكن أنتظر مجيئة إلى هنا خوفا عليك.. أنا والفرعون نتشابه في أفتقادنا لشيء ما.. القلب والروح… لكنك روح القلب…كنت أحسن حالا من الفرعون الذي غادر مكان انتظاره عنوة….


مررت بعيني على الجدران، مسحت المكان بسرعة وعدت ثانية، قال الصديق العراقي : أنتما أحسن حالا مني وكان يقصدني وزوجته لأنه كان طويلا للغاية وعليه ان يطوي نفسه في دخوله وخروجه من القبر…. قلت لهم : هذا الفروعون مجنون لو كانت روحه ستعود ووجدته في هذا المكان لما دخلت إليه …


عدنا بسرعة، الطريق هابطا ثانية، لاحظت حفرة في السقف نستطيع ان نمد فيها قامتنا قليلا وكان بها هواء لم افكر من اين يأتي ولا حتى النظر في داخل الحفرة ، وقفت قليلا … تنفست ثم اسرعت في التقدم للخروج، كانت امراة امامي توقفت لتقول شيئا لقادم في الاتجاه المعاكس، وضعت يدي على الجدار ضغطت قليلا، ولم اكن اعرف ايضا أن قلبي تحسس صدرك وانحنى عليه قليلا…كم اشتقت إليك!


شعرت بأصابعي تنغمس بالدفء والهواء البارد… نظرت إليها … كانت اصابعي تبتسم لشعور لا تدري كنهة، وضعتها على جبهتي وصدري لثوان ومضيت وانا اشعر بان جسدي كله يتعرق انفاسه الاخيرة وقفنا ثانية في المكان المستقيم … مددت يدي لمست الجدار ثانية وحاولت الاتكاء عليه قليلا، كنت كأنني اخترقت الهرم إلى ذراعيك… فطبعت قبلة على شفتيك وسحبت نفسي من الجدار واسرعت بالتقدم نحو الدرجات الصاعدة ثانية، هذه المرة كنت المح الفضاء يتسع قليلا قليلا… تقدمت بسرعة وكأنني اهرب من موتي… لا لم اكن اهرب بل كنت افكر بك … قال لي الرجل الواقف على الباب :هي دي الكاميرا بتاعتك !


ولم اسمع ما اجبته به، ولم ار يدي تتناول الكاميرا … فقط ما كنت اعيه هو نظراتي الباحثة عنك… كنت هناك تبتسم ، عانقتك وكأنني لم ارك منذ دهر…تسلل قلبي إلى صدري وهمست بي شفتيك… (أحبك) فتسللت إلى صدرك مع قلبي فلم ير السياح ولا الناس جميعا سواك تنظر حولك وتبتسم …

ليست هناك تعليقات: